لاحظت حينما يثار هذا الموضوع الحساس والمهم "تعدد الزوجات" وجود تيارين متباينين: الأول شرعي فقهي يبيحه بشرط العدل، وتيار آخر نسائي لا يستطيع أن يعلن صراحة رفضه لمبدأ التعدد ولكنه -بلحن القول- يؤدي الغرض نفسه، ويراودني شعور -والله أعلم- أن بعض النساء يتمنين في أعماقهن لو كانت الشريعة تنص على تحديد زوجة واحدة فهن رافضات للتعدد كمبدأ حتى ولو لم يصارحن أنفسهن بذلك.
وهذا التباين في الرأي هو جزء من حالة الفصام في المجتمع ككل، فالمجتمع يرفع الشعار الإسلامي بقوة، وفي الوقت نفسه يتم تقبيح ما أحله الله تعالى بطريقة منظمة!. وأنا لا أفهم أن يستخدم اللفظ للتعبير عن شيء وضده في نفس الوقت ثم يقبل الجميع ذلك.
إيمان أو لا إيمان
فالتعدد -وهو جزء من الأحوال الشخصية للمسلمين- تمت ممارسته على نطاق واسع منذ اللحظة الأولى لتكوين المجتمع الإسلامي، فلا معنى لفهم جديد وإلا لصار من حق البعض أن يطالبوا بمعرفة حكمة الركعات الثلاث لصلاة المغرب، كما سيتسع المجال بنفس المنطق في التبديل والتعديل والتعطيل.
القضية إيمان أو لا إيمان، إذعان أو لا إذعان، أدب مع الشريعة أو سوء أدب، ولا أعرف لماذا يتخذ المسلمون موقف الدفاع حينما تثار هذه القضية؟ وبأي حق ينكر الغرب على الإسلام تعدد الزوجات في الوقت الذي تنطلق العلاقات غير المشروعة بغير رادع؟
أعرف صديقًا وقع في الحب بعد زواج طويل. قاوم التيار الجارف بموروثات تعتبر الزواج الثاني من المحرمات. بعد أربع سنوات من السباحة ضد التيار أسلم نفسه للموج وقال أتزوج. ذهب إلى بيت الحبيبة خاطبًا فتم الترحيب به (لأنه رجل مرموق ولأن الفتاة تحبه)أن.
ولكن الحرب الحقيقية حدثت حينما أشعلت زوجته النار واستنجدت بوالديه اللذين وقفا بجوارها ومنعاه بسيف طاعة الوالدين (وهو الرجل البار).
تصادف أن دارت مناقشة عجيبة بينه وبين أخيه الأكبر في بيتي، ورحت أستمع للحوار ودهشتي تتزايد.
خلاصته نصيحة أخيه: أن الأفضل له بدلا من "دوشة الدماغ" ومشاكل الأسرة، وكلام الناس أن ينسحب من موضوع الزواج، ويكتفي بالعلاقات الموازية.. هكذا قال لأخيه أمامي!
وحينما سألته عما يقصده بالعلاقات الموازية ضحك وضحكنا كلنا، وسألته مرة أخرى في جدية: وماذا عن الله تعالى؟.. فنظر لي صامتا.
مجتمع منافق
أقول وأنا بكامل قواي العقلية: إني أتهم المجتمع كله بالنفاق. حينما يتظاهر غضبا على منع فرنسا الحجاب، حينما يتشدق الكل بالإسلام، في الوقت الذي يتم فيه تقبيح شرع الله إلى حد اعتبار الزنا حلا لمشاكل الزواج (..)، أقول إن المجتمع الذي يفعل ذلك منافقٌ وَغْدٌ. ولنعد للشرع.. فالدين لا يؤخذ بالرأي.. تصور أن أصلي المغرب أربع ركعات مثلا؟! السماح بتعدد الزوجات أمر معلوم من الدين بالضرورة مارسه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وآل بيته رضي الله عنهم، واجتمع المسلمون عليه طيلة ألف عام.
والعجيب أن يأتي الآن من يزعم أنه أعلم بالدين من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام.
فينبري أحدهم ويقول: إن القرآن قال: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، وفي آية أخرى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم). ويتجاهلون أولا أن الربط بين الآيتين غير صحيح فنهاية الآية الكريمة (فلا تميلوا كل الميل)، وينسون أن النبي كان يعدل القسمة بين نسائه ثم يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك)