ـ الاِمام الحجّة:
وأدلى الاِمام المصلح العظيم بقيّة الله في الاَرض قائم آل محمد ( صلى الله عليه وآله )
____________
(1) مفاتيح الجنان للقمّي وغيره من كتب الزيارات والاَدعية.
( 47 )
بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس ( عليه السلام ) جاء فيها :
« السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين ، المواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له ، الواقي ، الساعي إليه بمائه ، المقطوعة يداه ، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد ، وحكيم بن الطفيل الطائي.. »(1).
وأشاد بقيّة الله في الاَرض بالصفات الكريمة الماثلة في عمّه قمر بني هاشم وفخر عدنان ، وهي:
1 ـ مواساته لاَخيه سيّد الشهداء ( عليه السلام ) ، فقد واساه في أحلك الظروف ، وأشدّها محنة وقسوة ، وظلّت مواساته له مضرب المثل على امتداد التاريخ.
2 ـ تقديمه أفضل الزاد لآخرته ، وذلك بتقواه ، وشدّة تحرّجه في الدين ، ونصرته لاِمام الهدى.
3 ـ تقديم نفسه ، واخوته ، وولده فداءً لسيّد شباب أهل الجنّة الاِمام الحسين ( عليه السلام ) .
4 ـ وقايته لاَخيه المظلوم بمهجته.
5 ـ سعيه لاَخيه وأهل بيته بالماء حينما فرضت سلطات البغي والجور الحصار على ماء الفرات من أن تصل قطرة منه لآل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) .
4 ـ الشعراء:
وهام الاَحرار من شعراء أهل البيت : بشخصية أبي الفضل التي
____________
(1) مزار محمد بن المشهدي من أعلام القرن السادس : 553.
( 48 )
بلغت قمّة الشرف والمجد ، وسجّلت صفحات من النور في تاريخ الاَمّة الاِسلامية ، وقد نظموا في حقّه روائع الشعر العربي إكباراً وإعجاباً بمثله الكريمة ، فيما يلي بعضهم.
1 ـ الكُمَيْت:
أمّا شاعر الاِسلام الاَكبر الكُميت الاَسدي فقد انطبع حبّ أبي الفضل في أعماق نفسه ، وقد تعرّض لمدحه في إحدى هاشمياته الخالدة قال:
وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو * شفاء النفوس من اسقام(1)
إنّ ذكر أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ، وسائر أهل البيت : حلو عند كل شريف لاَنّه ذكر للفضيلة والكمال المطلق ، كما أنّه شفاء للنفوس من أسقام الجهل والغرور ، وسائر الاَمراض النفسية.
2 ـ الفضل بن محمد:
من الشعراء الملهمين الذين هاموا بشخصية أبي الفضل ( عليه السلام ) هو حفيده الشاعر الكبير الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيدالله بن العباس فقد قال:
إني لاَذكــر للعبّــاس موقفه * بكربــلاء وهام القوم يختطف
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ * ولا يـولّـي ولا يثنـي فيختلف
ولا أرى مشهـداً يوماً كمشهده * مع الحسين عليه الفضل والشرف
____________
(1) الهاشميات : 25 ، ومن الغريب أن الشارح لهذا الديوان قال: ان المراد بأبي الفضل هو العباس بن عبد المطلب.
( 49 )
أكرم به مشهداً بانت فضيلته * وما أضاع له أفعاله خلف(1)
وصوّرت هذه الاَبيات شجاعة أبي الفضل ( عليه السلام ) وما قام به من دور مشرق يدعو إلى الاعتزاز والفخر في حماية أخيه أبي الاَحرار ، ووقايته له بمهجته ، وسقايته له ولاَفراد عائلته وأطفاله بالماء ، فلم يكن هناك مشهد أفضل ولا أسمى من هذا الموقف الرائع الذي وقفه أبو الفضل مع أخيه أبي عبدالله ( عليه السلام ) ... وقد استولت مواقف أبي الفضل على حفيده الفضل فهام بها ورثاه بذوب روحه ، وكان من رثائه له هذه الاَبيات الرقيقة:
أحق النـاس أن يبكى عليه * فتى أبكى الحسين بكربـلاء
أخوه وابـن والده علــي * أبو الفضل المضرّج بالدماء
ومن واسـاه لا يثنيه شيء * وجادله على عطش بماء(2)
نعم ان أحق الناس أن يمجد ويبكى على ما حلّ به من رزء قاصم هو أبوالفضل رمز الاِباء والفضيلة ، فقد رزأ الاِمام الحسين ( عليه السلام ) بمصرعه ، وبكاه أمرّ البكاء لاَنّه فقد بمصرعه أبرّ الاِخوان ، وأعطفهم عليه.
3 ـ السيّد راضي القزويني:
وهام الشاعر العلوي السيّد راضي القزويني بشخصية أبي الفضل ( عليه السلام ) قال:
أبا الفضل يا من أسس الفضل والاِبا * أبى الفضل إلاّ أن تكون لـه أبـا
____________
(1) قمر بني هاشم : 147 نقلاً عن المجدي.
(2) الغدير 3: 5.
( 50 )
تطلبت أسبـاب العلـى فبلغتها * وما كل ساع بالغ ما تطلبـا
ودون احتمال الضيم عزّ ومنعة * تخيرت أطراف الاَسنّة مركبا
انّ أبا الفضل من المؤسسين للفضل والاِباء في دنيا العرب والاِسلام فقد سما إلى طرق المجد ، وأسباب العلى ، فبلغ قمّتها ، وقد تخير أطراف الاَسّنة والرماح حتى لا يناله ذلّ ، ولا ضيم.
4 ـ محمد رضا الاَزري:
وأشاد الشاعر الكبير الحاج محمد رضا الاَزري في رائعته بالمثل الكريمة التي تحلّى بها قمر بني هاشم ، والتي احتلت عواطف الاَحرار ومشاعرهم يقول:
فانهض الى الذكر الجميل مشمّراً * فالذكر أبقى ما اقتنتـه كرامها
أوما أتاك حديث وقعة كربــلا * انّى وقـد بلـغ السمـاء قتامها
يوم أبو الفضل استجار به الهدى * والشمس من كدر العجاج لثامها
ودعا الاَزري بالبيت من رائعته إلى اقتناء الذكر الجميل الذي هو من أفضل المكاسب التي يظفر بها الاِنسان فانه أبقى ، وأخلد له ، ودعا بالبيت الثاني إلى التأمّل والاستفادة من واقعة كربلاء التي تفجّرت من بركان هائل من الفضائل والمآثر لآل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وعرج بالبيت الثالث على أبي الفضل العبّاس ( عليه السلام ) الذي استجار به سبط النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وريحانته ، ولنستمع إلى ما قام به العبّاس من النصر والحماية لاَخيه ، يقول الاَزري:
فحمى عرينتـه ودمدم دونها * ويذب من دون الشرى ضرغامها
( 51 )
والبيض فوق البيض تحسب وقعها * زجل الرعود إذا اكفهرّ غمامها
من باسل يلقـى الكتيبـة باسمـاً * والشوس يرشـح بالمنية هامها
واشـم لا يحتـل دار هضيمــة * أو يستقلّ على النجـوم رغامها
أو لم تكن تـدري قريـش أنّــه * طــلاع كل ثنيـة مقدامهــا
وهذه الاَبيات منسجمة كل الانسجام مع بطولات أبي الفضل ، فقد صوّرت بسالته ، وما قام به من دور مشرف في حماية أخيه أبي الاَحرار فقد انبرى كالاَسد يذبّ عن أخيه في معركة الشرف والكرامة ، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة التي ملاَت البيداء دفاعاً عن ذئاب البشرية ، وقد انطلق أبوالفضل باسماً في ميادين الحرب وهو يحطّم أنوف أُولئك الاَوغاد ويجرّعهم غصص الموت في سبيل كرامته وعزّة أخيه ، وقد استبان للقبائل القرشية في هذه المعركة ان أبا الفضل طلاع كل ثنية ، وانه ابن من أرغمها على الاِسلام وحطّم جاهليتها وأوثانها.
وبهذا العرض نأتي على الانطباعات الكريمة عن شخصية أبي الفضل ( عليه السلام ) عند الاَئمة الطاهرين : ، وعند بعض أعلام الاَدب العربي.
* * * *