موضوع: رمضان والطب الحديث الثلاثاء سبتمبر 02, 2008 5:19 pm
سلام للكل
تهل علينا ليال شهر رمضان خيرا وبركة. فالأيام التي توالي الدوران والزمن الذي يتبدد من بين أصابعنا، يتمهل قليلا في هذه الأيام. يأخذنا من لهاث الحياة اليومية إلى تجربة تجلو الروح، وتصفو فيها النفس المتعبة.
الإنسان سيد الكائنات وخليفة الله في الأرض: أسجد له الملائكة، وأنشأه في الأرض واستعمره فيها، وكرمه وعلمه ما لم يعلم، وعرض الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان!
والله خلق الإنسان نسيجا خليطا، فيه غرائز تدعوه وتلح عليه إلى الطبيعة الأرضية، وفيه نعمة من روح الله تسمو به إلى الأعالي، وفيه ذكاء وقاد يصلح أن يشق به طريقه، وفيه ميزان ركبه الله فيه يميز به بين الخير والشر والحق والباطل، وذاتية ذات إرادة داخلية يصنع بها قراره ويوجه سكانه. قال تعالى: ( ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها).
الإنسان إذن في معركة دائمة قائمة. فتد فضل المقاتل على القاعد. وكبرى معارك الإنسان مع نفسه.. أيغلبها أم تغلبه؟ ومعركته مع شهواته.. لأنها قد تدعوه إلى شر ما ليس له يحق، وقد تغريه بحقوق الآخرين سواء كانت أموالا أو أعراضا أو مقدسات فان لم يتماسك أمام نفسه لم تنفعه العلوم والفنون الآداب.
وللصوم منافع وشرائط يقررها الطب الحديث. ففيه يرتاح الجسم البشري راحة غذائية وبدنية شهرا كاملا في السنة، و عن النظام المدني الصحي الإعتيادي الذي يدعو إلى ضرورة تقليص العمل اليومي شهرا أو بعض الشهر في السنة،لدرء ما يعد له الاستمرار من الكلل والسآمة في النفس، فتستعيد بهذه الاستراحة نشاطها البدني والفكري الضروريين لاستئناف العمل فكانت على هذا التشبيه، العطل الصيفية في المدارس والأجازات السنوية لكل مستخدم أو موظف.
وفي هذا الشهر يجب ان تسأل نفسك من أجل من أصوم؟
أصوم لأنني أؤمن بالله وأصدق أن محمدا رسول الله. فان أمر الله فليس عندي إلا السمع والطاعة، ولو لم يأمر الله بالصوم على هذه الصورة لما صمت على هذه الصورة.
ولكن للأسف إننا نثقل انفسنا واجسادنا حين نجمع كل وجبات الطعام في وجبة واحدة، ونرهق حواسنا حين نحول ساعات الليل إلى لهاث خلف المحطات الفضائية، وبذلك نفوت حكمة الشهر وجدواها، ويصعب على كثيرين ممن حولي يحرصون على صيام رمضان وهم في ذات الوقت لايؤدون الصلاة كيف يقول للصوم (نعم) وللصلاة (لا).
صنعة الله
ان للأجسام العضوية الحية، كما للآلات المتحركة، طاقة عملية محدودة، وشروطا للحياة معينة، وعمرا طبيعيا مقدرا يبلغ حده الأعلى اذا روعيت هذه الشروط رعاية تامة وينقص بقدر مايقع في رعايتها من اهمال،او نقص او تعديل.
فالقاطرة والسيارة والطائرة وغيرها من الآلآت المتحركة، لكل منها عمر اقصى وحمولة وقدرة على قطع المسافات المقدرة، ومدة من الزمن التي تعيشها، وهذه تعلن وتقدر من قبل صانعها شريطة ان تراعى جميع التعليمات والأنظمة، والشرائط المتعلقة بادارتها ومحافظتها ووقايتها. اما اذا اهمل شئ من هذ ه الشروط ولو بمقدار ذرة، فان صحة هذه الآلة تختل.
وهكذا هو الحال في الأجسام العضوية الحية، و اكملها الإنسان.فان لكل منها عند بارئها عمرا اقصى مقدرا اشترط عليها لتبلغه ان تتقيد باحكام وفروض وواجبات وانظمة لم يكلف بها سدى، ولم يلزم بها عفوا، بل الزم بها لحكمة بالغة.
تنقية الجسم
ادرك علماء الطب منذ القدم وحتى عصرنا الحاضر تنقية الجسم من حين الى اخر مما تراكم في اخلاطه من السموم الغذائية المحتبسة فيه،حفظا للصحة واتقاء ما ينجم عنها من الأمراض. فكان الأطباء الأقدمون يوصون الأصحاء بالمسهلات والمقيئات مرة في الشهر و بالحجامة او الفصد مرة في السنة. وفوائد هذا التدبير عظيمة. فهو يقي البدن من شرور كثيرة من الادواء كالربو والضغط الدموي والتسمم الداخلي وغيرها. وقد نقص هذا التدبر لا لعدم فائدته بل لسوء استعماله. اما الطب الحديث، اوتي من العلم اوفر نصيب فتكشفت له المادة من ذراتها وكهاربها، والاجسام عن حجيراتها وعناصرها. وامزجتها و طبائعها، و الامراض عن جراثيمها ومسبباتها، والطبيعة عن كثير من حقائقها و انظمتها. فقد ادرك الطب الحديث، ان اشد العوامل إضعافا للبنية وإخلالاً بالصحة، وتعريضها لفتك الأمراض، هو اضطراب تطور العناصر الغذائية الاساسية، الذي يتم به تمثل المواد الغذائية المختلفة، وتحولها لتكوين خلايا البدن وترميم ماتخرب منه، ثم طرح ما زاد على ذلك من الفضلات المختلفة الى الخارج. فتنشأ عن فساد هذا التطور امراض مزمنة مستعصية، تختلف حسب نوع المادة الغذائية غير المتمثلة في الجسم كالبدانة، والاملاح الرملية، والحصى والرئيات المزمنة والسكر وتسمم الدم الغذائي وتصلب الشرايين المؤدي الى تزايد الضغط الدموي. وكل هذه الادواء غذائية لا دواء لها سوى تفريغ ما تراكم في الجسم من السموم بالمدرات او المسهلات و الفصد، وفائدة هذه الطريقة مؤقتة وهي مضنية للجسم فلا يصح إستمرار استعمالها.
نظام الغذاء
الطريقة المثلى لأتقاء شرور تلك الامراض التي يمكن السير عليها: هي تنظيم التغذية من حيث الكمية و الكيفية و النوعية. فهناك الحمية اللبنية و الحمية النباتية و الحمية الخاصة و الحمية المطلقة و هي المنع عن تناول الأ طعمة مدة معينة. وكل ذالك إبتغاء أمرين احدهما منع ادخال مواد غذائية في الجسم هو غير قادر على تمثيلها، فتتحول فيه سما، الثاني إراحة الجسم من الغذاء مدة معينة من الزمن يتمكن فيها من طرح ما تراكم في اخلاطه من الفضلات. وهذا يصار اليه بالصيام.
فالصيام إذن حمِية طبية خاصة او عامة جزئية او كلية يلجأ اليها في حالة المرض الغذائي لمعالجته. وتسمى بلغة الطب (الحمية). وبلغة الدين (الصيام).
حكمة الصوم
الصيام والحالة هذه، تدبير صحي للجسم الصحيح والوقاية أفضل من المعالجة و الصحة افضل من المرض.. و( درهم وقاية خير من قنطار علاج). و الخالق الأعظم وهو اللطيف بعباده فلم يشأ ان يترك هذا الجسم البشري السوي الذي خلقه أحسن تكوين عرضة لعبث شهواته واهوائه دون ان يهديه سواء السبيل لحفظ صحته. ففرض عليه الصيام أياما معدودات في السنة، و جعله ركنا من الدين بل جعله أشدها لزاما.
فقد اسقط وجوب إعادة الصلاة على المرأة الحائض، وأسقط الحج عمن لم يستطع إليه سبيلا، والجهاد عن المريض، والزكاة من غير المال الموفور أما الصوم فلم يسقط إعادته على المريض، ولا عن المسافر ولا عن الحائض بل اوجب عليهم إعادته دلالة منه تعالى على عظم فوائده ومنافعه للبشر. ولا غرو، فان فيه حفظا للصحة، والصحة قوام الحياة، والحياة اسمى ما في هذه الكون. تلك حكمة الصيام الصحية كما يقررها الطب الحديث.
ليكون الصوم مفيدا
ان الصوم يخرج الجسم من حميته هذه نقيا نشطا يستقبل مشاق الحياة، بعزيمة وراحة و قوة جديدة. كما ان لكل حمية طبية مهما كان نوعها شروطا لتاتي بالفائدة المتوخاة منها. كذالك الصوم، ليكن مفيدا للصائم فهو يتطلب شروطا غذائية و اجتماعية من الواجب التقيد بها وإ لا ضاعت فائدته، او انقلب نفعه ضررا، وخيره ألما كبيرا. و أهم هذه الشروط: عدم الاسراف في الطعام والشراب والسكون الى الراحة، والهدوء والطمأنينة، واجتناب مشاق الاعمال الفكرية والبدنية بسبب المحافظة على التوازن بين الصادر والوارد في البدن. فالعمل العقلي و الفكري المجهد يستوجب صرف كثير من المواد السكرية الواردة الى العظلات مباشرة من الاغذية، أو المتحولة من الشحوم المدخرة في البدن، و من المواد الازوتية الموجودة في العظلة نفسها.
وإذا استمر الصائم على الافراط في العمل، مع الاقلال من الغذاء فان فعله هذا يؤدي حتما الى الهزال والتعب والاعياء بعامل نفاذ العناصر المدخرة الضرورية للعمل, واحتباس الفضلات السامة الناشئة عن الاجهاد وتراكمها في الفضلات، هو يسبب نقص المقاومة البدنية، واشتداد الاضطراب النفسي والعصبي فيسوء خلق الصائم، ويستولي عليه الضجر والتململ، و سرعة الغضب، ويتعرض بدنه لظهور كثيرا من الامراض التي كثيرا ما تكون جراثيمها كامنة فيه تنتظر سنوح مثل هذه الفرص لتفتك به.
خطأ الصائمين
من المؤسف، ان المسلمين أهملوا هذا الشرط وجهلوا حكمته، ولم يدركوا مضار إهماله فجعلوا من شهر الصيام الذي هو شهر عبادة، شهر كد و جد لمضاعفة الكسب المادي و شهر سهر وسمر، لا ابتغاء مرضاة الله، بل فيم يرضي الاهواء و العادات والشهوات.. ولكي لا تصاب جسومهم بالافلاس الغذائي، والعجز العضلي لكثرة الصرف وقلة الموارد بسبب الصيام، لجاوا الى الاسراف في الاكل والشرب فاكثروا من ألوان الاطعمة والاشربة، وحولوا ليلهم نهارا يقضونه في المقاهي والملاهي والسهرات، حيث يتناولون الطعام والشراب مرات عديدة فيدخلون الطعام على الطعام فتعتريهم أنواع الآفات الهضمية، والامراض الغذائية، والاضطرابات العصبية التي صاموا ليقوا ابدانهم من شرورها، فاوقعهم صيامهم المزيف هذا فيها. فاتهموا الصوم بالضرر ونسبوا اليه ما وقعوا فيه من سوء الخلق ولو انهم عقلوا لعرفوا ان وعد الله الناس بخير الصيام.. ولأدركوا ما اشار اليه الله في قوله: (فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر ) النحل / 8. ولكن للأسف إننا نثقل انفسنا واجسادنا حين نجمع كل وجبات الطعام في وجبة واحدة، ونرهق حواسنا حين نحول ساعات الليل إلى لهاث خلف المحطات الفضائية، وبذلك نفوت حكمة الشهر وجدواها، ويصعب على كثيرين ممن حولي يحرصون على صيام رمضان وهم في ذات الوقت لا يؤدون الصلاة كيف يقول للصوم ( نعم ) وللصلاة ( لا ). يقول الله تعالى: (و على الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون) البقرة / 841.
yasa صديق عراقي نشيط
المساهمات : 283 تاريخ التسجيل : 18/07/2008
موضوع: رد: رمضان والطب الحديث الأربعاء سبتمبر 03, 2008 11:49 am